المكان: طرابلس
الزمان: سبتمبر 1969
كانت طرابلس .... عروس البحر الأبيض... عروس اسم على مسمى... كانت قد نالت استقلالها منذ 18 عشر سنة... كانت ليبيا مملكة دستورية آنذاك... وكانت أجمل ما تكون عليه العروس... وكان للملك رحمه الله وافسح ثراه زاهد بنفسه... أعطى لطرابلس الكثير... ففي هذه الفترة الوجيزة شيدت فيها أكبر مدينة جامعية بها عشرات الكليات وملعب رياضي وأرض ضخمة للمعارض وامتدت الطرق والمواصلات وانتعشت التجارة... كانت طرابلس في الخمسينيات والستينيات تعيش أبهى سنوات عمرها مرفرف عليها العلم ذي الثلاث الوان والنجمة والهلال...
حتى حدتث تلك الخيانة ... حدث ذلك الإنقلاب المشؤوم... كان الملك في رحلة علاجية في تركيا...
وفجاءة ظهر ذاك الملازم الحاد الملامح على الملأ وأعلن علي الليبيين أن ليبيا أصبحت بين يديه.. وأن ولي أمر البلاد ولى إلى الأبد.. وعندما نقل الى مسامعه خبر ذلك الملازم الطامع في السلطة... اختار الملك حقن الدماء ورحل في هدوء. وقدم استقالته.. وعاش في المنفى... حتى وفاه الأجل.. رحمه الله ... ودفن في البقيع جوار الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة...
وكان الناس في هرج ومرج في طرابلس.. وجلست عجوز عمياء ... فاقدة للبصر ومتمتعة بالبصيرة.....ليدخل عليها أبنائها... وسألتهم :
" شنو فيه برا؟"
فأجابها الأبناء :
" هذا واحد اسمه......"
فتنهدت العجوز وأجابت في اقتطاب أقرب للحزن وببصيرتها المعهودة :
" يا خوفي إيكون إمدمر!!!!"
:55 (6)::55 (6)::55 (6):
إنتشرت كتائب الأخطبوط الأمنية في كل أرجاء ليبيا تقريبا... إنها ليست الجيش... فالجيش تم تفككيكه من زمان... انها كتائب موزعة بعدد ابناء ذاك الأخطبوط .. وعاتت هذه الكتائب فسادا وتدميرا في كل القرى والمدن ومنها ما سوى بالأرض... لقد أعلنوا الحرب على الليبيين ... أرادوا تطهير ليبيا شبر شبر ... من " الدنس والنجاسة!" ... ولم يعلموا أنهم الدنس الوحيد الذي ينقض صفاء حياتنا... كنت أتابع الأخبار وأرى كل شئ... اللييين يتعرضون لحرب إبادة بكل معنى الكلمة... وكانت لمصراتة نصيب الأسد من صواريخ سكود .. هاون .. جراد... قنابل عنقودية....
أما هنا في طرابلس ... حيث أنا... فقد كانت كتائب المرتزقة... وجنده وأعوانه منتشرون في كل الشوارع تقريبا ... وبات مشهد الدبابات مألوفا...
وأعلن سكان طرابلس العصيان المدني... فأصبحت أغلب المحلات والمدارس والكليات مقفلة... وبات أصحاب المحال وكل من تبث عليه تهمة العصيان... يخرج عنوة من بيته ويعتقل...
لقد كنت أشعر بخطر محدق بنا... ولاأعرف كنهه..... نعم فإني لاأثق في جنونه... وقد يقودنا جنونه الى هاوية النهاية...
لقد غادر جميع الأجانب منذ بداية الأحداث... ورحلوا جوا وبحرا ... وأبلغتني خادمتى الأثييوبية أنها مضطرة للسفر...لقد تركونا لوحدنا نواجه قدرنا المحتوم... أما زوجي فقد ملأ المخزن بمؤونة تكفي للأشهر من زيت ودقيق ..وسكر.. الخ... لقد كان كل هذا يزيدني فزعا..
هل هناك شئ سيحدث ؟
شئ يعرفه الجميع إلا أنا؟ كل المعطيات تقول أن هناك شر مستطير ينتظرنا... ولم أجد إلا الدعاء...
:55 (6)::55 (6)::55 (6):
عفواً انت لست في غزة... أنت في حصار طرابلس الغرب:
وتطورت الأحداث سريعا ... وما كان يوم أمس يسمى بيوم الغضب.. أصبح اليوم أيام الفيضان والسيول الجارفة... لا يوقفها شئ. في كل أنحاء ليبيا..... أما بنغازي والشرق الليبي فقد تحرر بالكامل وذاقوا حلاوة الحرية... وظلت طرابلس أسيرة ... يخنقها الحصار... لقد بدأ الوقود ينفذ شيئا فشيئا... واصطفت السيارات امام محطات البنزين واصبحت طرابلس كلها فارغة من السيارات .. فكلها واقفة امام محطات البنزين... ولأجل الحصول على نصف تانك فإننا نحتاج للوقوف حوالي 3 أيام...وتم تخصيص محطة نسائية للوقود.. حيث يجتمع النسوة يوم كامل انتظارا... وحاول الجميع التعامل بإيجابية مع المحنة... فكلنا مفعمون بالأمل وننتظر الخلاص المرتقب.. حاولت الاستفادة من الساعات الطوال في تلك الطوابير.. تارة بقراءة القراءن ... او الكتابة.. ومنهن من تقوم بالتطريز... ولم يفت الباعة المتجولين لعرض مختلف البضائع على مئات السيارات الواقفة.. ولقد كانت فرصة رائعة للتعارف وتبادل الأكلات... وكان لفاعلي الخير نصيب بين تلك الطوابير.. فتارة نرى من يوزع الكتيبات التوعوية... وآخر ماء الشرب...الخ... لقد كانت طوابير البنزين حكاية لوحدها... \تحتاج لفصول... وكنا نلحظ بين الفينة والأخرة سيارات نوع (برادا) محملة بأجهزة تصنت دقيقة ... تصول وتجول .. تنتظر التقاط اي كلام لا يروق لهم...
http://www.youtube.com/watch?v=LUXPglj6JRQ
وفات فصل الربيع ودخل الصيف ومازلنا نسمع كل يوم عن شهداء في كل مكان... وأصبح الوضع في طرابلس لا يطاق... حيث اشتدت الحرارة ... والكهرباء تغيب لتأتي قليلا... وأنهكنا قيظ الحر خارج البيوت وداخلها... ... ... واختار الكثير من السكان الذهاب لتونس الشقيقة...
أما أنا فقد تعلمت إعداد الخبز في البيت بعد ما أقفلت اغلب المخابز... وتغير روتين حياتي كليا... لا خروج ولا زيارات ولا سيارة... ولا رياضة ولا نزهات... ظللت في البيت لا أبرحه الا اضطرارا...
كان الحصار الأمني يثير الرعب ... الهواتف مراقبة بالكامل.. بأجهزة تصنت تحدد هوية المتكلم ومكانه.. واكتضت السجون ... بمعتقلين من طرابلس من الشباب والنساء... وكل يوم كنا نسمع عن مفقود من هنا وهناك... فمنهم من غادر سرا الى الجبهات.. ومنهم من لقى حتفه من رصاص الكتائب.. ومن من سجن قسرا...كما أن الاغتصاب بات سلاح معتمد لدى هؤلاء ومداهمات البيوت بدون استئذان اصبح شئ متوقع كل يوم... وبهذا راجت تجارة أجهزة الحماية الشخصية وطارت أسعارها في الآفاق.. كنا نشريها سرا وحرصت كل اسرة على اقتنائها...
كان مجرد الامساك بأحدنا وهو ممسك لعلم ليبيا ذي الثلاث ألوان والنجمة والهلال جريمة تستحق الاعدام بالرصاص.. وكانت السيدة صبرية ساسي اول شهيدة في طرابلس... حيث داهمت الكتائب بيتها فجرا واقتادوها بتهمة خياطة العلم وتهريبه للثوار... وتم قتلها رميا بالرصاص ورمي جسدها الطاهر في احد المناطق النائية .. وغيرها الكثير... عبد العاطي قدور... زياد المنتصر... وكل له قصة ما ...
قصف طرابلس:
وفي هذه الفترة كتفت قوات التحالف الدولي ضرباتها الجوية على طرابلس... عفواً ليس طرابلس بل المعسكرات ومخازن الأسلحة المنتشرة في كل أحيائها.. كانت هذه المخازن تحوي صواريخ وترسانات من السكود والسام والهاون والجراد ومضاد الطائرات... انها ما اشتراه الاخطبوط طيلة اربعة عقود بأموالنا... ليس لتحرير فلسطين كما كان يروج لنا... بل لتحرير ليبيا من الليبيين. فكانت هذه المخازن تغذي بشكل يومي الكتائب في كل مكان... حتى بلغ عدد الشهداء 54,000 شهيد ليبي..
http://www.youtube.com/watch?v=VyOyg...eature=related
ودخل شهر أغسطس وجاءنا شهر رمضان.. كنا جد متفائلين به... بالرغم من وطأءة الحصار الخانق... لا كهرباء ولا ماء ولا وقود اوغاز طهي... كنا نشتري هذه الضروريات بأسعار خيالية... وهذا ان وجدت... كنا نقضي الليل وغالبا ما كنا نقفز مذعورين من ذاك القصف العنيف (للنيتو) ولكنه بالنسبة لنا كان المخاض العسير الذي يسبق الولادة... الطلق المؤلم الذي سيهب الحياة لأبنائنا ... فمهما بلغت شجاعة وقوة الثوار على الارض.. فإنهم في النهاية أناس مدنيون أضطرتهم الظروف لخوض الحرب والمواجهة... وايضا لا قبل لهم امام صواريخه المحرمة والفتاكة... كنت على ثقة بأن ضربات قوات التحالف الدولي على مخازن الاسلحة والترسانات دقيقة جدا... ولكن رعبنا كان من الشظايا التي تتناثر جراء هذا الانفجار... والصواريخ التي تتناثر نتيجة له...
كان أعنف هذه الضربات وأقربها إلى بيتي .. تلك التي حدثت في شهر رمضان.. حيث كانت طرابلس في ظلام دامس .. واعتدنا انا وزوجي والأطفال على تناول الافطار الرمضاني في حديقة المنزل... اتذكر تلك الليلة .. السماء كانت صافية والنجوم تتلألأ .. وكنا ننتظر بفارغ الصبر تلك الدقائق التي يأتي فيها التيار الكهربائي لنهرع الى الدخل ونتابع قليلا من الأخبار ثم لينقطع ثانيةً... وكان من عادة طائرات الحلف ان تقوم برمي مئات من المناشير لتحدير السكان القانطين بالقرب من تلك المخازن... ولكن وللأسف كانت هناك كتائب تترصد لمثل هذه المناشير ويتم جمعها فورا معاقبة اي مواطن يضبط وهو ممسك بإحداها...وذلك بأمر من احد ابناء ذاك الأخطبوط ... حيث أن موت اي مدني لييبي شئ مهم .. وذلك اولا لأنها فرصة للتخلص منا.. وثانيا انها ورقة ضاغطة على الحلف بإتهامهم ب"قتل المدنيين"!!!
http://www.youtube.com/watch?v=vm2ty...eature=related
ولهذا كنا كثيرا ما نتفاجأ بتلك الضربات...القريبة... وأتذكر أنني في إحدى الليالي خانتني فيها أعصابي ونفذ صبري... فخرجت الى حديقة البيت... ولأصرخ بأعلى صوتي صرخة تمزق سكون تلك الليلة:
( آمتا بيطلع الجرد الكبير؟!!!!) (خلاص هلكتنا!!!)
تداركت نفسي ودخلت مسرعة إلى البيت وأوصدنا ابواب البيت بإحكام... فهذه الكلمات كافية بأن تنهي حياتي إلى الأبد على يد الكتائب.... وجلسنا ننتظر عودة الكهرباء بفارغ الصبر... وفجاءة وبدون مقدمات فأجأني ذلك الصداع الرهيب الموجع بالذكريات في رأسي... صفحة من صفحات الليبيين... لا ... أنني أكره هذا الصداع... متى سيختفي والى الأبد... أمسكت رأسي بشدة كالعادة.... واقفلت عيني بشدة... آه كم أكرهك أيها الأخطبوط...
أصوات... ضوضاء..
كلمات تقترب شيئا فشيئا ...
آه لا...إنها الصورة أمامي تتضح..ياااااه لا أحتفظ بشئ جميل لك لأتذكره.... كم سئمتك... وسئمت هذه الفلاشات.....
الفلاش:
انتقلت بي ذاكرتي إلى 18 سنة مضت... أمي تجادلني" ما فيش مشي!!" " أنسي الموضوع!" وانا أستفهمها عبثا "علاش يا ماما؟ نبي سبب واحد؟!":... ولتجيب علي بدون النظر إلي " هكي وخلاص... سكري الموضوع!"
كنت في الثاني ثانوي وقتها... وكان من عادة " اللجان اثورية" ان تأتي إلى الثانويات لإلقاء محاضرات عن ما أسموه " الوعي السياسي" او " التربية العقائدية" ... كانت تلك المحاضرات قمة في الملل بالنسبة لنا.... وكنا نتظر بفارغ الصبر انتهائها... وفي يوم ما حضر بعض أفراد من تلك اللجان واقترحوا علينا... نحن طالبات الفصل... الذهاب معهم في زيارة سينظمونها قريبا لزيارة "القائد".. كما يحلو للأخطبوط تسمية نفسه... والغريب ان الزيارة كانت مساءاً... والأغرب... في مقر ما في الجامعة!!...
عموما لم أعرف سبب وجيه لرفضهم القاطع... و لم أناقشهم كثيرا.. لأني أصلا في قرارة نفسي لم أكن أنوي الذهاب وليس من زميلاتي المقربات من ينوي الذهاب... كما أنني لم أكن من المعجبات بتلك اللجان ...كنت أشعر بالمقت من طريقة تقليدهم الأعمى " لقائدهم" ... تلك اللباس الغريبة... وطريقة الحديث التي لا نستسيغها والغريبة عن لهجتنا... والأكثر غرابة...الطريقة الهوجاء لتصفيف شعرهم!!!
لم يذهب الاالقليلات في ذلك اليوم... ولم نكثرت كثيرا لسؤالهن عن مضمون تلك الزيارة...
واستمرت المشاهد المتلاحقة... واستمر الصداع...وليأتيني مشهد ....بعد هذه الحادثة بحوالي 18 سنة...
...قيام زوجي بركن السيارة أمام أحد محلات الحلويات... نزلنا منها... ودخلنا جميعنا إلى المحل... وبينما كنت أتحاور مع أطفالي عن ماذا سنختار.. وقعت عيناي على امرأة... اعتقدت أنني أعرفها... نعم إنني أعرفها.. ياااه انها زميلة لي في الفصل... نعم تذكرتها... في الثانية ثانوي... ولكنها لم تكن لوحدها... إنها مع زوجها... أعتقد أنه خطيبها زمان... نعم.. بالتأكيد هو ... رمقتني بإبتسامة... أكيد تذكرتني بدورها... إنني أتذكرها جيداً (فلانة بنت فلان) ... كانت أروعنا جمالاً ... هادئة ورزينة... اتذكر كونها مخطوبة أنذاك.. وبالتأكيد الذي معها هو ذاك خطيب الأمس... ولكن ما لاحظته جليا إنها سلمت علي بنوع من التردد ... وجمالها لم يعد بنفس تلك الروعة.. إنها تبدو ذابلة بعض الشئ... ما أتذكره جيداً ... انقطاعها المفاجئ عن االسنة لدراسة.. لم تكمل سنة الثانية ثانوي.. وقيل لنا إنها تزوجت... ولم نسمع عنها بعدها قط..
رجعنا إلى السيارة... وحدثني زوجي عن قصتها... قال لي أنه ماكان يجب أن يحكيها لي... وحذرني من رواية قصتها للغير... بالتأكيد لن أفعل... لن أجرؤ أن أكررها حتى لنفسي..
والحقيقة المرة... الحقيقة التي فسرت لي العديد من الأشياء والألغاز... أن هذا زوجها ليس هو خطيبها الأسبق... ولكنه حرس مقرب من حراس ذاك الأخطبوط... والذي تزوجها بأمر منه... بعد أن هتك عرضها... والعياذ بالله... أما خطيبها فقد ذهب لحال سبيله... كنت استمع اليه وهو يحدثني بقصتها... ولكن فجأة صرخت... آه نعم ... تذكرت...... ربطت الأحداث ببعض... نعم انها تزوجت بعد فترة وجيزة... وبعد تلك الزيارة التي اعتقدن الطالبات أنها بريئة...
أصبت بالذهول ... أصبت بالصدمة... ما أبشع الحياة عندما نعلم بعض خباياها... لم أذق أي قطعة مما اشتريناه من حلويات...
:55 (6)::55 (6)::55 (6)::55 (6):
فارقنا النوم في تلك الليلة... وعبثا انتظرنا عودة التيار الكهربائي ... وما نعلمه أن تهديدات الأخطبوط وأبنائه بتفجير طرابلس وتدميرها بالكامل قد تكررت...فقد تم توزيع منصات لصواريخ على المشارف الشرقية لطرابلس... ولا نسمع منهم الاالتهديد والوعيد تارة ... وتم تحميل بعض المستودعات في الجوار بأعداد من صواريخ السكود...
http://www.youtube.com/watch?v=vm2ty...eature=related
تناولنا السحور.... وفجاءة... ارتج بيتنا رجة عنيفة ... حتى خلته سيسقط فوق رؤوسنا... اهتزت نوافذ البيت... وانفجرت الأبواب نتيجة للضغط العنيف لإنفجارات هائلة نسمعها في الخارج... كنت في رررررررعب لا يعلم به الا الله... صرخت من الفززززززع... وشلت أعصاب قدماي فجأة... ولم أقوى حتى على النهوض.. تذكرت أطفالي...ذهبت إلى غرفتهم زاحفة ......حاولت الوصول إلى غرفتهم ولأنتشلهم ... فكرت سريعا في الخروج من المنزل والبقاء في الحديقة...أو الخروج الى الشارع والهرب بهم... ولكن كان الظلام حالك في الخارج... كما هو في البيت ...ليس هناك الا بريق برتقالي يصدر من تحطم وانفجار صواريخ السكود المتراصة في الجوار...ينير أرجاء بيتي كأنه وميض برق خاطف في شتاء ليلة ماطرة...أيقنت ان الخروج أخطر لإمكانية تعرضنا لشظية من الشظايا المتناثرة ......... وتزايدت وتيرة الانفجارات... لم أدر ماذا سأفعل... أعتقدت أنها النهاية... وصلت بصعوبة إلى بدلة الصلاة... ارتديتها ... ووصلت إلى أطفالي في الغرفة أخيرا.. أنفاسي متقطعة ... وتأترث لرؤيتي لهم غارقون في سباتهم العميق... ينعمون بنومهم بصفاء براءة الأطفال... لا يكدرهم شئ... وأشفقت عليهم من الرعب الذي سيرتاعهم إذا ما أيقضتهم.. فلم أجد إلا أضمهم بجانبي... وابتهل إلى الله أن ينجينا.. وكانت الهواجس تأتي وتذهب بي سريعاً... تارة أقول لنفسي
إنني أفضل الموت لنفسي على أن ينجو هم ..فأقول لا قبل لأطفالي أن يعيشوا بدوني...
ثم هاجس آخر يحدثني أنهم
قد يموتوا ولأعيش أنا... فأقول لا قبل لي أن أعيش بدونهم...
ضممتهم بقوة وقلت سنعيش معا ونموت بإذن الله معا...
ولن يفرقنا شئ...
سنعيش وتعيش ليبيا... وسيأتي غد مشرق وجميل... بدون اخطبوط ولا كوابيس ..
.لن تعانوا الضياع مثلنا...لإننا سننتهي قريبا من كتابة آخر فصول سنواته ...
وإلى اللقاء مع الحلقة الأخيرة... من سنوات الضياع الليبي... مذكرات فتاة ليبيا...